هذا ليس معرضًا

محترف شبابيك للفنّ المعاصر ومجموعة التقاء للفنّ المعاصر في غزة

في حروبٍ مضت، وتحت وطأة الحصار، رسم فنّانون غزيّون أعمالهم على قماش الأكفان، وفي زمن الإبادة الجماعيّة وعلى مسرحها العبثي، يمكن لقماش الرسم أن يصبح أكفانًا، ويمكن لإطارات لوحاتٍ ناجيةٍ أن تتفكّك لإشغال النار من أجل أجسادٍ نالت منها قسوة البرد، أو لتهيئة ما تيسّر من طعامٍ يقي من لسعة الجوع.

"هذا ليس معرضًا" معرض لا يتقصّد عرض أعمالٍ فنيّةٍ بعينها لفنّانين بعينهم، فلا أحد يملك أن يفعل ذلك الآن، إذ أنّ مجرّد التواصل مع الفنّانين الغزيّين أمر يكاد يكون مستحيلًا، فهم، مثل باقي الناس في غزّة، يجابهون حرب الإبادة الجماعيّة، ويعانون بؤس النزوح والجوع والبرد، وقد تركوا بيوتهم ومراسمهم خلفهم، مدمّرةً أو تنتظر، وقد أودعوا أعمالهم الفنيّة في مهبّ النار والقصف والموت. أمّا من يقطن منهم خارج غزّة، فقلوبهم تنفطر على معاناة أهلهم، أهلنا، ومصائرهم. كلّ هذا يجعل من مجرّد الحديث عن الفنّ الآن يبدو انفصامًا عن الواقع، كما يجعل التفكير في إنجاز معرضٍ بالطُّرق المعهودة ضربًا من العبث والترف.

لكن، حيث تمعن آلة القتل والدمار في تحويل المشهد العمراني والطبيعي في قطاع غزّة إلى كتلٍ رماديّةٍ لا متناهيةٍ، تلتهم كلّ الألوان والتفاصيل الكبيرة والصغيرة، وحيث يلاحق الموت كلّ أشكال الحياة وأصواتها وتجلّياتها، يقف هذا المعرض، الذي جاءت لوحاته من بيوت الناس في الضفّة، بعد أن أنزلوها من على جدران بيوتهم، شاهدًا قويًّا على روح غزّة العظيمة، والتي تعاقبت عليها في العقدَين الأخيرَين الحروب تلو الحروب، وأطبق عليها حصارٌ جائرٌ، ولكنّها كانت دائمًا تنهض من جديد.

فعلى مدى العقود الماضية، لم يكتفِ الفنّ في غزّة بدور الشهادة على قساوة الواقع، بل كان في جوهره تجلّيًا لفعلٍ وجوديٍّ في مجابهة تلك القسوة التي تحاول تجريد الإنسان من إنسانيّته، وكان الفنّانون هم أوّل من يسعى إلى نشر بذور الحياة من جديد، وشقّ أنفاقٍ تُفضي إلى آفاقٍ أكثر رحابة.